تصف قوانين الديناميكا الحرارية العلاقة بين الطاقة الحرارية والأشكال
الأخرى من الطاقة، وكيف تؤثر الطاقة على المادة، بحيثُ ينص القانون الأول للديناميكا الحرارية على أن
“الطاقة لا تفنى ولا تُستحدث من عدم ولكن تتحول من شكل لأخر”،
في حين ينص القانون الثاني، الذي يهتم أكثرَ بنوعية الطاقة، على أنه كلما تم نقل طاقة أو تحويلها إلى صورة أخرى فإن هذه الطاقة تقِل، وكلما نقصت هذه الطاقة فإنها تتعرض للتدهور والتحول إلى نظام أكثر اضطرابًا.
يرى سايبل ميترا (Saibal Mitra) أستاذ الفيزياء بجامعة ولاية ميسوري أن القانون الثاني هو الأكثر إثارةً بين قوانين الديناميكا الحرارية، حيث يجد أنه على المستوى المجهري أي الدقيق جدا، يساهم أي نشاط داخل نظام معزول في توجيه هذا النظام نحو اللانظام والاضطراب.
وفسر ميترا قوله بأن أي نشاط داخلي سيؤدي إلى الاضطراب، حتى لو بدا أن هناك ميلًا للنظام في جزء معين منه.
نأخذ على سبيل المثال التجمع الذاتي لجزيئات تُشكل بنية حية، حيث أننا إذا أخذنا بعين الاعتبار الشكل العام للبنية والوسط الذي توجد فيه، سنجد أن هذه الجزيئات تميل إلى العشوائية. وكمثالٍ على ذلك تَكَوُّن البلورات في محلول ملحي عند تبخُّر الماء، فعلى الرغم أن البلورات المتكونة تكون أكثر نظامية من جزيئات الملح في المحلول، إلا أن بخار الماء يكون أكثر اضطرابًا من الماء السائل بكثير، ويكون الحاصل النهائي لهذه العملية هو الميل نحو حالة اللانظام.
تاريخ :
ذكر المؤلف ستيفن ولفرام (Stephen Wolfram) في كتابه “نوع جديد من العلم” (A New Kind of Science)، بأنه في سنة 1850 أعلن كل من رودولف كلاوزيوس ووليام طومسون (لورد كلفن)، بأنه من المستحيل أن تكون هناك عملية انتقال حرارة من جسم بارد إلى جسم ساخن بدون بذل شغل، ليكون هذا هو حجر أساس القانون الثاني للديناميكا الحرارية.
لاحقًا، أدت أعمال كل من دانيال برنولي وجيمس كلارك ماكسويل ولودفيغ بولتزمان إلى تطوير النظرية الحركية للغازات، والتي تعتبر إلى الغاز عبارة عن سحابة من الجزيئات المتحركة، يمكن التعامل معها احصائيا. هذا المنهج الإحصائي يمكننا من حساب كل من الحرارة والضغط والحجم بدقة طبقا لقانون الغاز المثالي.
أدى استخدام هذا المنهج إلى استنتاج أنه إذا أمكن عكس عملية التصادم بين الجزيئات بالنسبة لكمية كبيرة من الغاز فإن سرعة هذه الجزيئات تعطي توزيعا طبيعيا يمثل منحنى جرسيا أو ما يسمى رياضيا بالدالة الغاوسية التي تميل إلى التمركز حول قيمة متوسطة وحيدة والتي تمثل هنا السرعة المتوسطة. وعليه، فإذا وضعنا غازا ساخنا وغازا باردا معًا في وعاء واحد، فسوف تكون النتيجة غازا دافئا، لكن هذا الغاز الدافئ لن ينفصل ويعود إلى حالته الأولي من تلقاء نفسه، وبالتالي فإن عملية المزج تلك غير قابلة للعكس.
ويشبه لولفرام الأمر باستحالة عكس عملية خفق البيض، واكتشف بولتزمان عام 1876 أن السبب في ذلك يعود إلى أن حالة اللانظامية في هذه العملية أكثر من النظامية، ولهذا فإن العينات العشوائية للتفاعلات تفضي دوما إلى اللانظامية والاضطراب في محصلتها.
عندما يحدث تلامس بين جسم ساخن وآخر بارد، فإن الطاقة الحرارية سوف تتدفق من الجسم الساخن إلى نظيره البارد حتى يصلا إلى حالة اتزان حراري، أي نفس درجة الحرارة. مع استحالة العودة إلى الوضع الأولي بحيث لا يمكن أن يحدث فارق في درجتي حرارة هذين الجسمين من جديد من تلقاء نفسه. إذ سيتطلب، نقل الطاقة من الجسم البارد إلى الجسم الساخن، بذلَ شغلٍ من مصدر طاقة خارجي مثل مضخة حرارية.
“إن أكثر المحركات كفاءة تم اختراعها حتى الآن هي المحركات التوربينية الكبيرة” بحسب دافيد ماكي أستاذ الفيزياء بجامعة ولاية ميسوري، حيث قال إن تلك المحركات تحرق الغاز الطبيعي أو أي وقود غازي آخر في درجات حرارة هائلة تتخطى 3600 درجة فهرنهايت، ليكون العادم الناتج مجرد نسيم دافئ، يصعب استخراج الطاقة منه بحيث لم يبقى به الكثير منها.
بحيث أن كل تبادلات الطاقة التي تحدث عرضة للقصور مثل الاحتكاك، أو فقدان الحرارة الناتج عن الإشعاع، مما يؤدي إلى اضطراب النظام الذي تجري ملاحظته، وبما أنه من المستحيل ايجاد عملية قابله للعكس بشكل مثالي، فإذا سألك أحدٌ عن اتجاه الزمن، فأجبه بكل ثقة أن الزمن يجري في اتجاه اللانظام.
في المستقبل البعيد جدا، بعد استهلاكها لوقودها النووي، ستتحول النجوم إلى بقايا نجمية، مثل الأقزام البيضاء والنجوم النيوترونية أو الثقوب السوداء، بحسب تعبير مارغريت موراي هانسون، أستاذة الفيزياء بجامعة سينسيناتي. وفي نهاية المطاف، سوف تتلاشى تلك النجوم لتصبح بروتونات والكترونات وفوتونات ونيوترونات، لتصل إلى حالة اتزان حراري مع باقي أجزاء الكون. ولحسن الحظ، فإن جون بايز، عالم الفيزياء الرياضية في جامعة كاليفورنيا ريفرسايد، يتنبأ بأن عملية التبريد النهائية للكون تلك قد تستغرق حوالي 10(10^26) عامًا – واحدًا متبوعًا ب 1026 صفر لتنخفض درجة الحرارة إلى حوالي 10-30 كلفن.
المصدر
المصدر باللغة العربية
نشرت هنا بتصرف فيزياء من سورية
“الطاقة لا تفنى ولا تُستحدث من عدم ولكن تتحول من شكل لأخر”،
في حين ينص القانون الثاني، الذي يهتم أكثرَ بنوعية الطاقة، على أنه كلما تم نقل طاقة أو تحويلها إلى صورة أخرى فإن هذه الطاقة تقِل، وكلما نقصت هذه الطاقة فإنها تتعرض للتدهور والتحول إلى نظام أكثر اضطرابًا.
يرى سايبل ميترا (Saibal Mitra) أستاذ الفيزياء بجامعة ولاية ميسوري أن القانون الثاني هو الأكثر إثارةً بين قوانين الديناميكا الحرارية، حيث يجد أنه على المستوى المجهري أي الدقيق جدا، يساهم أي نشاط داخل نظام معزول في توجيه هذا النظام نحو اللانظام والاضطراب.
وفسر ميترا قوله بأن أي نشاط داخلي سيؤدي إلى الاضطراب، حتى لو بدا أن هناك ميلًا للنظام في جزء معين منه.
نأخذ على سبيل المثال التجمع الذاتي لجزيئات تُشكل بنية حية، حيث أننا إذا أخذنا بعين الاعتبار الشكل العام للبنية والوسط الذي توجد فيه، سنجد أن هذه الجزيئات تميل إلى العشوائية. وكمثالٍ على ذلك تَكَوُّن البلورات في محلول ملحي عند تبخُّر الماء، فعلى الرغم أن البلورات المتكونة تكون أكثر نظامية من جزيئات الملح في المحلول، إلا أن بخار الماء يكون أكثر اضطرابًا من الماء السائل بكثير، ويكون الحاصل النهائي لهذه العملية هو الميل نحو حالة اللانظام.
تاريخ :
ذكر المؤلف ستيفن ولفرام (Stephen Wolfram) في كتابه “نوع جديد من العلم” (A New Kind of Science)، بأنه في سنة 1850 أعلن كل من رودولف كلاوزيوس ووليام طومسون (لورد كلفن)، بأنه من المستحيل أن تكون هناك عملية انتقال حرارة من جسم بارد إلى جسم ساخن بدون بذل شغل، ليكون هذا هو حجر أساس القانون الثاني للديناميكا الحرارية.
لاحقًا، أدت أعمال كل من دانيال برنولي وجيمس كلارك ماكسويل ولودفيغ بولتزمان إلى تطوير النظرية الحركية للغازات، والتي تعتبر إلى الغاز عبارة عن سحابة من الجزيئات المتحركة، يمكن التعامل معها احصائيا. هذا المنهج الإحصائي يمكننا من حساب كل من الحرارة والضغط والحجم بدقة طبقا لقانون الغاز المثالي.
أدى استخدام هذا المنهج إلى استنتاج أنه إذا أمكن عكس عملية التصادم بين الجزيئات بالنسبة لكمية كبيرة من الغاز فإن سرعة هذه الجزيئات تعطي توزيعا طبيعيا يمثل منحنى جرسيا أو ما يسمى رياضيا بالدالة الغاوسية التي تميل إلى التمركز حول قيمة متوسطة وحيدة والتي تمثل هنا السرعة المتوسطة. وعليه، فإذا وضعنا غازا ساخنا وغازا باردا معًا في وعاء واحد، فسوف تكون النتيجة غازا دافئا، لكن هذا الغاز الدافئ لن ينفصل ويعود إلى حالته الأولي من تلقاء نفسه، وبالتالي فإن عملية المزج تلك غير قابلة للعكس.
ويشبه لولفرام الأمر باستحالة عكس عملية خفق البيض، واكتشف بولتزمان عام 1876 أن السبب في ذلك يعود إلى أن حالة اللانظامية في هذه العملية أكثر من النظامية، ولهذا فإن العينات العشوائية للتفاعلات تفضي دوما إلى اللانظامية والاضطراب في محصلتها.
الشغل والطاقة
يظهر لنا القانون الثاني شيئا آخر وهو استحالة تحويل طاقة حرارية إلى طاقة ميكانيكية بكفاءة 100%. فبعد عملية تسخين الغاز لرفع ضغطه لتحريك مكبس ما، دائما ما يبقى جزء من الحرارة غير قابل لتوليد شغل اضافي. تلك الحرارة المهدورة، يتم التخلص منها عبر نقلها إلى المشتت الحراري. يحدث نفس الأمر في حالة محرك السيارة، بحيث ينفذ الوقود المحترق ويختلط بالهواء لينتقل إلى الغلاف الجوي. ويمكن ملاحظة الأمر في أمثلة أخرى لأدوات بأجزاء متحركة قادرة على إحداث احتكاك من شأنه تحويل الطاقة الميكانيكية إلى أخرى حرارية، والذي بدوره يعد فائضا غير قابل للاستخدام، ويجب إزالته من النظام عبر نقله إلى المشتت الحراري. لهذا السبب، فإن أي ادعاءات لاختراع آلات قادرة على إنتاج حركة دائبة تُرفض من قبل مكتب براءات الاختراع الأمريكي دون النظر إليها.عندما يحدث تلامس بين جسم ساخن وآخر بارد، فإن الطاقة الحرارية سوف تتدفق من الجسم الساخن إلى نظيره البارد حتى يصلا إلى حالة اتزان حراري، أي نفس درجة الحرارة. مع استحالة العودة إلى الوضع الأولي بحيث لا يمكن أن يحدث فارق في درجتي حرارة هذين الجسمين من جديد من تلقاء نفسه. إذ سيتطلب، نقل الطاقة من الجسم البارد إلى الجسم الساخن، بذلَ شغلٍ من مصدر طاقة خارجي مثل مضخة حرارية.
“إن أكثر المحركات كفاءة تم اختراعها حتى الآن هي المحركات التوربينية الكبيرة” بحسب دافيد ماكي أستاذ الفيزياء بجامعة ولاية ميسوري، حيث قال إن تلك المحركات تحرق الغاز الطبيعي أو أي وقود غازي آخر في درجات حرارة هائلة تتخطى 3600 درجة فهرنهايت، ليكون العادم الناتج مجرد نسيم دافئ، يصعب استخراج الطاقة منه بحيث لم يبقى به الكثير منها.
سهم الزمن
يشير القانون الثاني، إلى أن العمليات الدينامو حرارية غير قابلة للعكس، بحيث ينتج عنها ازدياد في اللانظام. ووفقًا لميترا فإن أهم بنود هذا القانون، أنه يعطينا اتجاهًا واحدًا للزمن في الديناميكا الحرارية.بحيث أن كل تبادلات الطاقة التي تحدث عرضة للقصور مثل الاحتكاك، أو فقدان الحرارة الناتج عن الإشعاع، مما يؤدي إلى اضطراب النظام الذي تجري ملاحظته، وبما أنه من المستحيل ايجاد عملية قابله للعكس بشكل مثالي، فإذا سألك أحدٌ عن اتجاه الزمن، فأجبه بكل ثقة أن الزمن يجري في اتجاه اللانظام.
مصير الكون
يتنبأ القانون الثاني، طبقًا لجامعة بوسطن، بنهاية الكون أيضًا، بحيث أنه سينتهي إلى حالة موت حراري، والتي ستتساوى فيها درجة حرارة كل شيء. هذا هو المستوى النهائي للاضطراب واللانظام، حيث أنه في حالة ما إذا كان لكل شيء نفس درجة الحرارة، فإنه لا يمكن بذل شغل مطلقًا، وكل الطاقة ستنتهي لتفسح المجال إلى حركة عشوائية للذرات والجزيئات.في المستقبل البعيد جدا، بعد استهلاكها لوقودها النووي، ستتحول النجوم إلى بقايا نجمية، مثل الأقزام البيضاء والنجوم النيوترونية أو الثقوب السوداء، بحسب تعبير مارغريت موراي هانسون، أستاذة الفيزياء بجامعة سينسيناتي. وفي نهاية المطاف، سوف تتلاشى تلك النجوم لتصبح بروتونات والكترونات وفوتونات ونيوترونات، لتصل إلى حالة اتزان حراري مع باقي أجزاء الكون. ولحسن الحظ، فإن جون بايز، عالم الفيزياء الرياضية في جامعة كاليفورنيا ريفرسايد، يتنبأ بأن عملية التبريد النهائية للكون تلك قد تستغرق حوالي 10(10^26) عامًا – واحدًا متبوعًا ب 1026 صفر لتنخفض درجة الحرارة إلى حوالي 10-30 كلفن.
المصدر
المصدر باللغة العربية
نشرت هنا بتصرف فيزياء من سورية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق